فصل: الخبر عن فتح قفصة وولاية الأمير أبي العباس عليها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن فتح قفصة وولاية الأمير أبي العباس عليها:

كان أهل الجريد منذ تقلص عنهم ظل الدولة عند إنقسام الملك بين الثغور الغربية والحضرة وما إليها وصار أمرهم إلى الشورى من المشيخة إلا في الأحايين يؤملون الاستبداد كما كانوا عليه من قبل الموحدين فقدم عبد المؤمن إلى أفريقية وبنو الرند على قفصة وقسنطينة وابن واطاس على توزر وابن مطروح على طرابلس فأملوا فتكها وشغل مولانا السلطان أبو بكر عنهم بعد استقلاله بالأمر وانفراده بالدعوة الحفصية شأن الفتنة مع آل يغمراسن بن زيان واجلاب عساكرهم مع حمزة ابن عمر على أوطانه حتى إذا أخذ السلطان أبو الحسن بحجزتهم وأطل عليهم من مراقبه فعادوا إلى أوكارهم بعد أن استبدوا وتنفس مختق الثغور الغربية من حصارهم وزال عن كاهل الدولة إصر معاناتهم وسكن اضطراب الخوارج على الدولة خفتت أصوات المرجفين في ممالكها وصرف السلطان نظره في أعطاف ملكه ومحو الشقاق من سائر أعماله وسمت همته إلى تدويخ القاصية من بلاد الجريد واستنقاذ أهلها من أيدي الذئاب الغاوية والكلاب الغاوية رغماء أمصارها وأعراب فلاتها فنهض إلى قفصة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وقد كان استبد بشوراها يحيى ابن محمد بن علي بن عبد الجليل بن العابد الشريدي من بيوتاتها فنازلها أياما والعساكر تلج عليها بأنواع القتال ونصب عليها المجانيق فامتنعوا ثم جمع الأيدي حتى قطع تحيلهم وامتناع صرائحهم فنادوا بالأمان فأمنهم وخرج إليه ابن عبد الجليل رئيسهم الآخر من سنته فأشخصه إلى الحضرة وأنزله بها ورجالات من قومه بني العابد وفر سائرهم إلى قابس فنزل في جوار ابن مكي ودخل أهل البلد في حكمه وتفيؤا بعد أن كانوا ضاحين من الملك كله فأحسن التجاوز عنهم وبسط المعدلة فيهم وأحسن أمل ذوي الحاجات منهم بالإسهام والأقطاع وتجديد ما بأيديهم من المكتوبات السلطانية ثم آثرهم بسكنى بلده المخصوص بعديد لعهد الأمير أبي العباس وأنزله بين ظهرانيهم وأوصاه بهم وعقد له على قسنطينة وما إليها وجعل معه على حجابته أبا القاسم ابن عتو من مشيخة الموحدين وقفل إلى حضرته فدخلها في رمضان من سنته والله أعلم.

.الخبر عن ولاية الأميرين أبي فارس عزوز وأبي البقاء خالد سوسة ثم إضافة المهدية إليهما:

لما نكب السلطان حاجبه ابن سيد الناس وولى محمد بن فرحون على حجابة ابنه الأمير أبي زكريا وقرب ذلك ما نزل بآل يغمراسن من عدوهم وتفرغ السلطان للنظر في ملكه وتمهيد أحواله وأن يرسي قواعد أعماله بنجباء أبنائه فعقد على سوسة والبلاد الساحلية لولديه الأميرين عزوز وخالد شريكين في الأمر وأنزلهما بسوسة وأنزل معهما محمد بن طاهر من صنائع الدولة ومن بيوت أهل الأندلس القادمين في الجالية ورياسة سلفهم بمرسية معروفة في أخبار الطوائف وكان أخوه أبو القاسم صاحب الأشغال بالحضرة فأقاما كذلك ثم هلك محمد بن طاهر فاستقدم السلطان محمد بن فرحون من بجاية معه باستبداد ابنه وأن يولي من شاء على حجابته وأنزل ابن فرحون مع هذين الأميرين لصغرهما سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ثم استدعاه الأمير أبو زكريا فرجع إليه وأقام هذان الأميران بسوسة حتى إذا نكب السلطان قائده محمد بن الحكيم واستنزل قريبه محمد بن الزكزاك من المهدية كان أنزله بها ابن الحكيم لما افتتحها من يد المتغلب عليها من أهل رجيس ويعرف بابن عبد الغفار سنة واتخذها حسنا لنفسه وأنزل بها قريبه هذا وشحنها بالعدد والأقوات فلم يغن عنه ولما هلك استنزل ابن الزكزاك وبعث السلطان عليهما ابنه الأمير أبا البقاء وأفرد الأمير أبا فارس بولاية سوسة فأقاما كذلك إلى أن كان من خبر مهلكهما ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن ولاية الأمير أبي عبد الله صاحب قسنطينة من الأبناء وولاية بنيه من بعده:

كان الأمير أبو عبد الله مخصوصا من أبيه من بين ولده بالأثرة والعناية قد صرف إليه إقباله وأوقع عليه محبته لما كان يتوسم في شواهده من الترشيح وما تحلى به من خلال الملك وكان الناس يعرفون له حق ذلك أن ابن عمر كان مستبدا بالثغور الغربية ببجاية وقسنطينة ومدافعا عنها العدو من زناتة المطالبين لها فلما هلك ابن عمر سنة تسع عشرة وسبعمائة كما قدمناه صرف السلطان نظره إلى ثغوره فعقد على بجاية لابنه الأمير أبي زكريا وعقد على حجابته لابن القالون وسرحه معه لمدافعة العدو وعقد على قسنطينة للأمير أبي عبد الله ومعه أحمد بن ياسين وخرجوا جميعا من تونس سنة عشرين وسبعمائة ونزل كل بعمله وقدم ظافر الكبير من الغرب فولاه السلطان حجابة ابنه بقسنطينة وأنزله بها إلى أن هلك سنة سبع وعشرين وسبعمائة على تيمرزدكت كما ذكرناه فجاء لحجابته من تونس أبو القاسم بن عبد العزيز الكاتب فأقام أربعين يوما ثم رجع إلى الحضرة وأضاف السلطان حجابة قسنطينة لابن سيد الناس إلى حجابة بجاية وبعث إليها نائبا عنه مولاه هلالا النازع إليه عن موسى بن علي قائد بني الواد فقام بخدمة الأمير أبي عبد الله إلى أن كانت نكبة ابن سيد الناس عندما بلغ الأمير أبا عبد الله أثره وجرى في طلق استبداده ففوض له في عمله السلطان وأطلق من عنانه وكان يؤامره في شأنه ويناجيه في خلوته وأنزل معه بقسنطينة نبيلا من المعلوجين يقيم له رسم الحجابة ثم استدعى ظافر السنان من تونس سنة أربع وثلاثين وسبعمائة لقيادة الأعنة والحرب فقدم لذلك وأقام سنة ونصفها ثم رجع وقام نبيل لحجابته كما كان ودفع يعيش بن من صنائع الدولة لقيادة العساكر وحماية الأوطان فقاسمه لذلك مراسم الخدمة ورتب الدولة واستمرت حال الأمير أبي عبد الله على ذلك والأيام تزيده ظهورا ومساعيه الملوكية تكسبه جلالا وترشيحا إلى أن أسقط دون غايته واغتاله الأجل عن مداه فهلك رضوان الله عليه آخر سبع وثلاثين وسبعمائة وقام بأمره من بعده كبير بنيه الأمير أبو زيد عبد الرحمن فعقد له السلطان أبو بكر على عمل أبيه لنظر نبيل مولاهم لمكان صغره واستمرت حالهم على ذلك إلى آخر الدولة وكان من أمره ما نذكر بعد والله تعالى أعلم.